مكتبة الموقع
احصائية الزوار
لهذا اليوم : 31
بالامس : 24
لهذا الأسبوع : 389
لهذا الشهر : 1376
لهذه السنة : 15829
المتواجدين الآن
يتصفح الموقع حالياً 20
تفاصيل المتواجدين
مقدمة لدراسة السيرة النبوية
المقال
مقدمة لدراسة السيرة النبوية
168 |
11-08-2024
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه ومصطفاه؛ نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فالسيرة النبوية هي: كل ما يتعلق بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وأحوال عصره، وأخبار أصحابه؛ لأنَّ السيرة فعله صلى الله عليه وسلم، وإقراره لفعل أصحابه رضي الله عنهم.
وهي: تشمل الأمور المتعلقة بذاته وشخصه؛ كالولادة والنشأة، والزواج والخدم والمتاع.
وتشمل السيرة: أمور النَّبوة والرسالة، وما يتعلق بالوحي والدَّعوة، ومواقف النَّاس منها، وتشمل الغزوات والسرايا.
وتشمل: الشمائل المحمدية، وهي الآداب والأخلاق، وكذلك تشمل سيرته: الخصائص التي امتاز به صلى الله عليه وسلم عن بقية الخلق.
والسيرة النبوية في نطاقها الزماني: تبدأ من ولادته صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وحتى وفاته في الثَّاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية من الهجرة النبوية، وجملتها ثلاث وستون سنة قمرية.
وتشمل نطاقها المكاني: الجزيرة العربية؛ ففي مكةَ وُلِدَ ونشأ، ثم هاجر إلى المدينة النَّبويَّة بعد ثلاث عشرة سنة من النُّبوة، وفيها أسس بناء دولة الإسلام، وابتدأ الجهاد حتى فتح مكة وما حولها، ثم أتتْهُ الوفود مسلِمة ومستسلمة في العام التاسع من الهجرة، ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى كانت الجزيرة كلها خاضعة لسلطان الإسلام، وأهلها إمَّا مسلمون، وإمَّا معاهَدون مسالمون.
أقسام السيرة:
تنقسم السيرة من حيث الزمن إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من الولادة حتى البعثة، وتمثل أربعين سنة، ويدرس في هذا القسم: حال العرب والجزيرة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مهم؛ لأنَّ من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام، وفي هذا القسم كذلك يذكر إرهاصات النبوة.
القسم الثاني: من البعثة ونزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في غار حراء حتى هجرته إلى المدينة، وتمثل ثلاثة عشر عامًا، ويسمى بالعهد المكي؛ وهي عهد التأسيس والدَّعوة.
القسم الثالث: من وصوله إلى المدينة في (12) ربيع الأول، السنة الأولى من الهجرة، حتى وفاته في الثاني عشر من ربيع الأول، من السنة الحادية عشرة، وتمثل عشر سنوات كاملة، ويسمى بالعهد المدني؛ وهو عهد البناء، والجهاد، وانتشار الدَّعوة، ونزول الأحكام.
وتُقَسَّم السيرة من حيث موضوعاتها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الشمائل والأخلاق النبوية، ويدخل فيه الخصائص التي اختُصَّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم عن سائر الرسل، وكذا ما اختُصَّ به من أحكام عن سائر الأمة.
القسم الثاني: دلائل النبوة؛ وهي المعجزات والبراهين على صدقه في النبوة والرسالة، وهي من أهم أقسام السيرة وأنفعها في تقوية الإيمان وتثبيته، وزيادة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.
القسم الثالث: السِّيَرُ والمغازي، ويدخل فيه معاملاته المختلفة وإقراراته لِما يقع بين يديه.
أهمية السيرة:
1- اهتمام السلف بها؛ فقد كان الناس يجتمعون مع ابن عباس رضي الله عنه كل عشية على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد ألَّفوا - وكذا الخلف - مؤلفاتٍ كثيرة في سيرته، تناولت جميع تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم، وذلك غير ما ورد في القرآن والسنة النَّبويَّة المطهرة، التي خُصِّصَت فيها أبواب في السير والمغازي والأخلاق، بل السنة كلها من سيرته عليه السلام؛ إذ السنة هي قوله أو فعله أو تقريره.
2- قال زين الدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: "كنا نُعَلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن".
3- قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا".
والمغازي: هي الجيوش التي خرج على رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء لقِيَ عدوًّا أو لا، وعددها (30) غزوة.
والسرايا: هي التي عقد إمرتها النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه ولم يخرج هو بنفسه، وعددها (70) سرية وبعثًا.
وكان يقول أي: إسماعيل عن أبيه، أنَّه كان يقول: "يا بني، هذا شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها".
4- يقول الزهري: "إنَّ في السيرة عِلْمَ الدنيا والآخرة".
5- وقال ابن حزم: "إنَّ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبَّرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد بأنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم، لكفى".
ومقصود ابن حزم: أن سيرته عليه السلام تعتبر آية من آيات نبوته، وعلَمٌ من أعلام صدق ما جاء به عليه السلام، فمن طرق معرفة صدقه صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به معرفةُ سيرته؛ بالنظر إلى ما يدعو، ومعاملته للناس، وأخلاقه، يأتي إليه الرجل وليس على وجه الأرض أبغض عليه منه، فما أن يراه ويرى سيرته وهديه وسلوكه، إلا ويتحول من ساعته، وليس على وجه الأرض أحب إليه منه؛ كما قال ثمامة بن أثال سيَّد أهل اليمامة حين أسلم: "يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلِّها إِليَّ"؛ [رواه أحمد].
وورد عن الجلندي ملك عمان زمن البعثة قوله لعمرو بن العاص رضي الله عنه عند ما جاءه برسالة من النَّبي صلى الله عليه وسلم: "والله لقد دلَّني على صدق هذا النَّبي الأمي، أنَّه لا يأمر بـخيرٍ إلَّا كان أول آخذٍ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنَّه يغلُبُ فلا يبطر، ويُغلَب فلا يهجر، ويفي بالعهد، ويُنْجِز الوعد، وأشهد أنَّه نبي".
الأهداف والغايات من دراسة السيرة:
ما سبق من أهمية السيرة واهتمام السلف بها، أحد الأسباب الداعية لدراسة السيرة.
ثم إنَّ من أهم الأسباب التي تدعونا لدراسة السيرة النبوية، هو التعرف على النبي صلى الله عليه وسلم.
والتعرف عليه هو أحد أصول الإسلام الثلاثة التي يُسْأَلُ الإنسان عنها في قبره، فإن أجاب فقد أفلح.
قال الشَّيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه الأصول الثلاثة: "الأصل الثالث: معرفة نبيكم محمد، وهو: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا ورسولًا، نُبِّئ بــــ(اقرأ)، وأُرْسِل بـــ (المدثر)، وبلده مكة..."؛ إلى آخر ما قال.
ويقول ابن القيم في زاد المعاد: "وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلَّقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرِفَ من هَدْيِهِ وسيرته، وشأنه ما يخرجُ به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقلٍّ ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".
إذًا من أهم مقاصد دراسة السيرة التَّعرف عليه صلى الله عليه وسلم، ونحن نريد أن نصِلَ من خلال التَّعرف عليه إلى مقاصدَ وأهداف أخرى؛ منها:
المقصد الأول: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره واحترامه وإجلاله، وتعظيمه وتوقيره من أعظم شُعَب الإيمان، وهذا لا يكون إلَّا بالتعرف على سيرته.
وقد كرَّمه ربه عليه السلام وعظَّمه وبـجَّله، فصلى عليه وملائكته، وأمر النَّاس بذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
بل وعلَّق الفلاح على ذلك في قوله: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
قال ابن عباس رضي الله عنه: "﴿ عَزَّرُوهُ ﴾: حَمَوه ووقَّروه".
وفي السيرة مظاهر كثيرة من توقير الصحابة رضي الله عنهم له عليه السلام.
وإن من مظاهر تعظيمه: كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بإطلاق، وعند ذكره صلى الله عليه وسلم على سبيل الخصوص.
فنحن ندرس السيرة لنقف على نصوص أحداث من تعظيم الله لنبيه، وتعظيم أصحابه؛ لتقع عظمته في نفوسنا.
المقصد الثاني: محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
فنحن ندرس سيرته لنحبه صلى الله عليه وسلم حبًّا تتبع العاطفة فيه العلم، وسيقف الدارس لسيرته صلى الله عليه وسلم على مواقفَ كثيرة، تجعل حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم يهجم على قلبك.
إن في السيرة بيانًا أوفى لكمال خُلُقه وآدابه، وما أسداه إلينا من معروف، مما يوجب لنا محبته، فإذا وقفت على نماذج من خُلُق الرحمة والشفقة على أمته، والحرص على هدايتهم، حتى كأنه باخع نفسه، ومهلكها لأجل ذلك؛ وصدق المولى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة، وهي شعبة من شعب الإيمان؛ لقوله عليه السلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والنَّاس أجمعين))؛ أي: لا يكمل إيمان أحدكم، ولا يمكن أن تحصل هذه المحبة إلَّا بدارسة سيرته عليه السلام، فدراسة السيرة واجبة.
روى البخاري في صحيحه أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، لأَنْتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذَّي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك، فقال له عمر رضي الله عنه: والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر)).
المقصد الثالث: من مقاصد دراسة السِّيرة الاقتداء بالنَّبي صلى الله عليه وسلم.
1- طاعته لأمر ربنا عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
2- لأن حياته عليه السلام هي أكمل حياة، حياة صُنِعَتْ على عين الله عز وجل؛ لكي تكون نبراسًا لحياتنا.
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم هو الميزان الراجح الذي على أقواله وأعماله وأخلاقه تُوزَن الأقوال والأعمال والأخلاق، وسيرته عليه السلام هي المثل الأعلى للإنسان الكامل كمالًا بشريًّا، فمن أراد الكمال، فَلْيَقْتَدِ به.
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم كان أبًا، وزوجًا، وقائدًا، وحاكمًا، وعلى الجميع الاقتداء به كلٌّ حسب منصبه، ففي سيرته بيان لكيفية تعامله مع الصغير والكبير، والنساء والأطفال، والخدم والقرابة، وجميع شرائح المجتمع.
وأخيرًا المقصد الرابع من دراسة السيرة: لكي نستلهم العِبَرَ، ففي حياته عظات وعِبَرٌ، وجميع المقاصد السابقة ترجع إلى هذا المقصد، وهو الذي سيتمُّ التَّركيز عليه، حتى نستفيد من دراسة السِّيرة.
اللهم إنَّا نسألك حُبَّك وحُبَّ نبيك، وكل عمل يقربنا إلى ذلك، اللهم احشرنا في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وارزقنا شفاعته.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمي