مكتبة الموقع
احصائية الزوار
لهذا اليوم : 46
بالامس : 24
لهذا الأسبوع : 404
لهذا الشهر : 1391
لهذه السنة : 15844
المتواجدين الآن
يتصفح الموقع حالياً 23
تفاصيل المتواجدين
وقفات مع حديث: ((شيطان يتبع شيطانة))
المقال
وقفات مع حديث: ((شيطان يتبع شيطانة))
132 |
11-08-2024
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يتبع حمامةً، فقال: ((شيطان يتبع شيطانةً)).
ومع الحديث وقفات:
الوقفة الأولى: الحديث رواه أحمد في المسند (2/ 345)، والبخاري في الأدب المفرد (1300)، وأبو داود (4940)، وابن ماجه (3765 - 3767)، وابن حبان (5874)، والبيهقي في السنن (1/ 190 و213)، وفي شعب الإيمان (6535)، وغيرهم، وقال الألباني في حاشية المشكاة (2/ 1276): "إسناده حسن"، وأورده في صحيح أبي داود (4131).
والحديث ثابت؛ قال العلائي في النقد الصحيح (37، 38): "والحكم على هذا الحديث بالوضع جهل وخطأ أيضًا ... وللحديث طريقان آخران، رواهما ابن ماجه، وينتهي بمجموع ذلك إلى درجة الصحة القوية".
الوقفة الثانية: اتخاذ الحمام للانتفاع به؛ كأكل لحمه، أو بيضه، أو الإفادة من فراخه ... جائز بحول الله وقوته، وإنما الوقفات في حكم اتخاذ الحمام للتلهِّي واللعب به.
الوقفة الثالثة: ورد النهي عن اللهو بالحمام في حديثنا، بطريق ذم الفاعل، وذلك أن من أساليب النهي – التي يشترك في حكمه المحرم والمكروه – ذمَّ الفعل أو فاعله، وتشبيه اللاهي بالحمام بكونه شيطانًا يدخل في الذم.
قال العز بن عبدالسلام في كتابه (الإمام في بيان أدلة الأحكام 105، 106): "النهي عن كل فعل كسبي طلب الشارع تركه، أو عتب على فعله أو ذمه، أو ذم فاعله لأجله، أو مقته أو مقت فاعله لأجله، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو نفى الرضا عن فاعله، أو شبَّه فاعله بالبهائم أو الشياطين ... فكل ذلك منهيٌّ عنه، وكل ذلك راجع إلى الذم والوعيد، ولكنه نوع ليكون ذكر أنواعه أبلغ في الزجر".
وداخل كذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس لنا مَثَلُ السوء))؛ [أخرجه البخاري (2479)].
لذا دار حكم اللهو بالحمام عند جمهور أهل العلماء بين التحريم والكراهة.
أما التحريم، فهو الأصل في النهي، وأما القول بالكراهة، فلا بد له من دليل، وأما الحمل على الإباحة بحجة كون الأصل الحل فمردود؛ إذ الحديث ناقل لحكم الحل والبراءة إلى التحريم أو الكراهة.
الوقفة الرابعة: الذين حملوا النهي في الحديث على الكراهة، فمنهم من أخذها من قول إمام مذهبه بالكراهة، ولفظ الكراهة فيه إجمال واشتراك؛ إذ قد يُطلَق على الكراهة التحريمية أو التنزيهية.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 343): "فقد كرَّه الإمام أحمد اتخاذ الحمام للتلهي به، وقد تقدم أن للأصحاب في كراهته لشيء، هل يُحمَل على التحريم أو التنزيه على وجهين ...".
ومنهم من جعل الحديث مصروفًا إلى الكراهة بحديث يتناقله جمع من الفقهاء.
قال الشيرازي في المهذب (3/ 439): "فصل: ويجوز اتخاذ الحمام؛ لِما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه ((أن رجلًا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال: اتخذ زوجًا من حمام))".
والحديث لا يثبت؛ قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 568): "وقد رُوِيَ فيها حديث باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا شكا إليه الوحدة، فقال: ((اتخذ زوجًا من الحمام))، وأجود من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يتبع حمامةً، فقال: ((شيطان يتبع شيطانةً))".
تنبيه: قول الفقهاء بالجواز – كما في قول الشيرازي - لا يناقض الكراهة؛ إذ الجواز يشمل الأحكام كلها إلا المحرم، وعليه يمكن القول بالجواز مع الكراهة.
الوقفة الخامسة: الأحكام مُعلَّلة، وقد استنبط العلماء علة النهي في هذا الحديث، والحكم يدور مع علته، ولا شك أن بعض ما عُلِّل به لا يحتمل إلا التحريم، وغيرها قد يحتمل الكراهة؛ لذا دار الحكم بينهما.
ومن تعليلات العلماء للنهي في الحديث:
1- كون اللعب بها يُورِث الغفلة عن ذكر الله؛ قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (2/ 412) عن قوله صلى الله عليه وسلم: "(شيطان): أي: هو شيطان لاشتغاله بما لا يعنيه، يقفو أثر شيطانة أورثته الغفلة عن ذكر الله تعالى".
وقال ابن حبان كما في طوق الحمامة للسيوطي (4): "إنما قال له: شيطان؛ لأن اللاعب بالحمام لا يكاد يخلو من لهو وعصيان، والعاصي يقال له: شيطان".
2- كون اللعب بها فيه من دناءة وسَفَهٍ؛ قال ابن قدامة في المغني (14/ 156): "فصل: واللاعب بالحمام يطيرها لا شهادة له، وهذا قول أصحاب الرأي، وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حَمَامٍ ولا حَمَّام؛ وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة، ويتضمن أذى الجيران بطيره، وإشرافه على دورهم، ورميه إياها بالحجارة"؛ أ.هـ، وقوله: "يطيرها"؛ أي: للهو.
3- كون اللعب بها قد يحصل منه الإشراف على حريم الناس بسبب متابعة الحمام، أو رميها بالحجارة، وقد يقع على البيوت، كما سبق نقله عن ابن قدامة.
الوقفة السادسة: لا إشكال عند العلماء في أن الحكم يُعلَّل بأكثر من علة، وكل علة قد تكون مستقلة بالحكم، وهذا هو الواقع في مسألتنا، فليست هي علة واحدة مركبة، والعلة قد تعمِّم الحكم وقد تخصصه، وبالنظر إلى العلل الواردة في الوقفة السابقة، نجد أن التعليل الأَولَى هو محل الحكم في مسألتنا، التي يدور الحكم عليها؛ وهو أن مجرد اللعب واللهو غير المفيد يكون سببًا للتحريم أو الكراهة؛ أي: إن الحكم السابق إذا لم يصحبه أمر محرم آخر، هل يستقل بالتحريم أو لا، فيكون النهي للكراهة؟
والذي يظهر لي أنه مجرد اللهو بها يكون سببًا للتحريم حال الإدمان على ذلك.
قال البيهقي كما في طوق الحمامة للسيوطي (4): "حمله بعض أهل العلم على إدمان صاحب الحمام لإطارته، والاشتغال به، والارتقاء بسببه إلى الأسطحة التي يشرف منها على بيوت الجيران، وحُرُمِهم".
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ كما في مجموع الفتاوى (32/ 246) عن اللعب بالحمام؟ فأجاب: "اللعب بالحمام منهي عنه، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلًا يتبع حمامة فقال: ((شيطان يتبع شيطانة))، ومن لعِبَ بالحمام فأشرف على حريم الناس أو رماهم بالحجارة، فوقعت على الجيران، فإنه يُعزَّر على ذلك تعزيرًا يردعه عن ذلك، ويُمنَع من ذلك، فإن هذا فيه ظلم وعدوان على الجيران، مع ما فيه من اللعب المنهي عنه، والله أعلم"؛ أ.ه، ودل كلامه على أن مجرد اللعب به علة للتحريم.
وقال الإمام أحمد كما في (النكت والفوائد السنية، لابن مفلح 2/ 245): "من لعِبَ بالحمام الطيارة يراهِن عليها أو يسرحها من المواضع لعبًا - وفي لفظ: أو يسيرها في المزارع - فلا يكون هذا عدلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسرح حمامًا ثم أتبعه بصره، فقال: ((شيطان يتبع شيطانة))، وهذا الحديث في السنن"؛ أ.هـ.
وقوله: "في المزارع": قد يدل على أن العلة ليست فقط الاطلاع على عورات الناس.
والقول بالتحريم مؤيَّد بالأصل في دلالة النهي، ولا سيما أن الصارف له لم يثْبُت، فيبقى الحكم على أصله؛ وهو التحريم.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 106): "فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام، وأنه من اللهو الذي لم يُؤذَن فيه، وقد قال بكراهته جمع من العلماء، ولا يبعُد على فرض انتهاض الحديث تحريمه؛ لأن تسمية فاعله شيطانًا يدل على ذلك".
الوقفة السابعة: إذا تقرر كون اللعب به سببًا للتحريم، وأن الحكم يدور مع علته، فإنه ينظر في كثير مما يلهو به الناس اليوم، فيأخذ حكم اللهو بالحمام، بل ربما كان اللهو بها أولَى بالوصف (شيطان) ممن يلهو بالحمام؛ إذ الحمام قد يُنتفَع ببيضه وفراخه، وإطعامه إطعام ذي كبد ...؛ إلخ، وتلك الملهيات أشد إعراضًا وغفلة عن ذكر الله، وربما أشد ضررًا في جوانب أخرى.
ومن تلك الملهيات: كرة القدم، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت وما فيه من مواقع ...؛ إلخ، فتخرج وتُقاس على اللعب بالحمام قياسَ أولى، أو إن شئت القول: إن الوصف والعلة الموجبة للنهي يمكن اعتبارها قاعدة كلية، ويُحقَّق في مناط وجودها في أفرادها مما يلعب ويتلهَّى به الناس اليوم.
يقول الشوكاني في (نيل الأوطار 8/ 106): "وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب اتباع الرجل لها، أو أنها تفعل فعل الشيطان؛ حيث يتولع الإنسان بمتابعتها، واللعب بها لحسن صورتها، وجودة نغمتها".
ومع الحديث وقفات:
الوقفة الأولى: الحديث رواه أحمد في المسند (2/ 345)، والبخاري في الأدب المفرد (1300)، وأبو داود (4940)، وابن ماجه (3765 - 3767)، وابن حبان (5874)، والبيهقي في السنن (1/ 190 و213)، وفي شعب الإيمان (6535)، وغيرهم، وقال الألباني في حاشية المشكاة (2/ 1276): "إسناده حسن"، وأورده في صحيح أبي داود (4131).
والحديث ثابت؛ قال العلائي في النقد الصحيح (37، 38): "والحكم على هذا الحديث بالوضع جهل وخطأ أيضًا ... وللحديث طريقان آخران، رواهما ابن ماجه، وينتهي بمجموع ذلك إلى درجة الصحة القوية".
الوقفة الثانية: اتخاذ الحمام للانتفاع به؛ كأكل لحمه، أو بيضه، أو الإفادة من فراخه ... جائز بحول الله وقوته، وإنما الوقفات في حكم اتخاذ الحمام للتلهِّي واللعب به.
الوقفة الثالثة: ورد النهي عن اللهو بالحمام في حديثنا، بطريق ذم الفاعل، وذلك أن من أساليب النهي – التي يشترك في حكمه المحرم والمكروه – ذمَّ الفعل أو فاعله، وتشبيه اللاهي بالحمام بكونه شيطانًا يدخل في الذم.
قال العز بن عبدالسلام في كتابه (الإمام في بيان أدلة الأحكام 105، 106): "النهي عن كل فعل كسبي طلب الشارع تركه، أو عتب على فعله أو ذمه، أو ذم فاعله لأجله، أو مقته أو مقت فاعله لأجله، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو نفى الرضا عن فاعله، أو شبَّه فاعله بالبهائم أو الشياطين ... فكل ذلك منهيٌّ عنه، وكل ذلك راجع إلى الذم والوعيد، ولكنه نوع ليكون ذكر أنواعه أبلغ في الزجر".
وداخل كذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس لنا مَثَلُ السوء))؛ [أخرجه البخاري (2479)].
لذا دار حكم اللهو بالحمام عند جمهور أهل العلماء بين التحريم والكراهة.
أما التحريم، فهو الأصل في النهي، وأما القول بالكراهة، فلا بد له من دليل، وأما الحمل على الإباحة بحجة كون الأصل الحل فمردود؛ إذ الحديث ناقل لحكم الحل والبراءة إلى التحريم أو الكراهة.
الوقفة الرابعة: الذين حملوا النهي في الحديث على الكراهة، فمنهم من أخذها من قول إمام مذهبه بالكراهة، ولفظ الكراهة فيه إجمال واشتراك؛ إذ قد يُطلَق على الكراهة التحريمية أو التنزيهية.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 343): "فقد كرَّه الإمام أحمد اتخاذ الحمام للتلهي به، وقد تقدم أن للأصحاب في كراهته لشيء، هل يُحمَل على التحريم أو التنزيه على وجهين ...".
ومنهم من جعل الحديث مصروفًا إلى الكراهة بحديث يتناقله جمع من الفقهاء.
قال الشيرازي في المهذب (3/ 439): "فصل: ويجوز اتخاذ الحمام؛ لِما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه ((أن رجلًا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال: اتخذ زوجًا من حمام))".
والحديث لا يثبت؛ قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 568): "وقد رُوِيَ فيها حديث باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا شكا إليه الوحدة، فقال: ((اتخذ زوجًا من الحمام))، وأجود من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يتبع حمامةً، فقال: ((شيطان يتبع شيطانةً))".
تنبيه: قول الفقهاء بالجواز – كما في قول الشيرازي - لا يناقض الكراهة؛ إذ الجواز يشمل الأحكام كلها إلا المحرم، وعليه يمكن القول بالجواز مع الكراهة.
الوقفة الخامسة: الأحكام مُعلَّلة، وقد استنبط العلماء علة النهي في هذا الحديث، والحكم يدور مع علته، ولا شك أن بعض ما عُلِّل به لا يحتمل إلا التحريم، وغيرها قد يحتمل الكراهة؛ لذا دار الحكم بينهما.
ومن تعليلات العلماء للنهي في الحديث:
1- كون اللعب بها يُورِث الغفلة عن ذكر الله؛ قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (2/ 412) عن قوله صلى الله عليه وسلم: "(شيطان): أي: هو شيطان لاشتغاله بما لا يعنيه، يقفو أثر شيطانة أورثته الغفلة عن ذكر الله تعالى".
وقال ابن حبان كما في طوق الحمامة للسيوطي (4): "إنما قال له: شيطان؛ لأن اللاعب بالحمام لا يكاد يخلو من لهو وعصيان، والعاصي يقال له: شيطان".
2- كون اللعب بها فيه من دناءة وسَفَهٍ؛ قال ابن قدامة في المغني (14/ 156): "فصل: واللاعب بالحمام يطيرها لا شهادة له، وهذا قول أصحاب الرأي، وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حَمَامٍ ولا حَمَّام؛ وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة، ويتضمن أذى الجيران بطيره، وإشرافه على دورهم، ورميه إياها بالحجارة"؛ أ.هـ، وقوله: "يطيرها"؛ أي: للهو.
3- كون اللعب بها قد يحصل منه الإشراف على حريم الناس بسبب متابعة الحمام، أو رميها بالحجارة، وقد يقع على البيوت، كما سبق نقله عن ابن قدامة.
الوقفة السادسة: لا إشكال عند العلماء في أن الحكم يُعلَّل بأكثر من علة، وكل علة قد تكون مستقلة بالحكم، وهذا هو الواقع في مسألتنا، فليست هي علة واحدة مركبة، والعلة قد تعمِّم الحكم وقد تخصصه، وبالنظر إلى العلل الواردة في الوقفة السابقة، نجد أن التعليل الأَولَى هو محل الحكم في مسألتنا، التي يدور الحكم عليها؛ وهو أن مجرد اللعب واللهو غير المفيد يكون سببًا للتحريم أو الكراهة؛ أي: إن الحكم السابق إذا لم يصحبه أمر محرم آخر، هل يستقل بالتحريم أو لا، فيكون النهي للكراهة؟
والذي يظهر لي أنه مجرد اللهو بها يكون سببًا للتحريم حال الإدمان على ذلك.
قال البيهقي كما في طوق الحمامة للسيوطي (4): "حمله بعض أهل العلم على إدمان صاحب الحمام لإطارته، والاشتغال به، والارتقاء بسببه إلى الأسطحة التي يشرف منها على بيوت الجيران، وحُرُمِهم".
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ كما في مجموع الفتاوى (32/ 246) عن اللعب بالحمام؟ فأجاب: "اللعب بالحمام منهي عنه، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلًا يتبع حمامة فقال: ((شيطان يتبع شيطانة))، ومن لعِبَ بالحمام فأشرف على حريم الناس أو رماهم بالحجارة، فوقعت على الجيران، فإنه يُعزَّر على ذلك تعزيرًا يردعه عن ذلك، ويُمنَع من ذلك، فإن هذا فيه ظلم وعدوان على الجيران، مع ما فيه من اللعب المنهي عنه، والله أعلم"؛ أ.ه، ودل كلامه على أن مجرد اللعب به علة للتحريم.
وقال الإمام أحمد كما في (النكت والفوائد السنية، لابن مفلح 2/ 245): "من لعِبَ بالحمام الطيارة يراهِن عليها أو يسرحها من المواضع لعبًا - وفي لفظ: أو يسيرها في المزارع - فلا يكون هذا عدلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسرح حمامًا ثم أتبعه بصره، فقال: ((شيطان يتبع شيطانة))، وهذا الحديث في السنن"؛ أ.هـ.
وقوله: "في المزارع": قد يدل على أن العلة ليست فقط الاطلاع على عورات الناس.
والقول بالتحريم مؤيَّد بالأصل في دلالة النهي، ولا سيما أن الصارف له لم يثْبُت، فيبقى الحكم على أصله؛ وهو التحريم.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 106): "فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام، وأنه من اللهو الذي لم يُؤذَن فيه، وقد قال بكراهته جمع من العلماء، ولا يبعُد على فرض انتهاض الحديث تحريمه؛ لأن تسمية فاعله شيطانًا يدل على ذلك".
الوقفة السابعة: إذا تقرر كون اللعب به سببًا للتحريم، وأن الحكم يدور مع علته، فإنه ينظر في كثير مما يلهو به الناس اليوم، فيأخذ حكم اللهو بالحمام، بل ربما كان اللهو بها أولَى بالوصف (شيطان) ممن يلهو بالحمام؛ إذ الحمام قد يُنتفَع ببيضه وفراخه، وإطعامه إطعام ذي كبد ...؛ إلخ، وتلك الملهيات أشد إعراضًا وغفلة عن ذكر الله، وربما أشد ضررًا في جوانب أخرى.
ومن تلك الملهيات: كرة القدم، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت وما فيه من مواقع ...؛ إلخ، فتخرج وتُقاس على اللعب بالحمام قياسَ أولى، أو إن شئت القول: إن الوصف والعلة الموجبة للنهي يمكن اعتبارها قاعدة كلية، ويُحقَّق في مناط وجودها في أفرادها مما يلعب ويتلهَّى به الناس اليوم.
يقول الشوكاني في (نيل الأوطار 8/ 106): "وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب اتباع الرجل لها، أو أنها تفعل فعل الشيطان؛ حيث يتولع الإنسان بمتابعتها، واللعب بها لحسن صورتها، وجودة نغمتها".