مكتبة الموقع
احصائية الزوار
لهذا اليوم : 33
بالامس : 24
لهذا الأسبوع : 391
لهذا الشهر : 1378
لهذه السنة : 15831
المتواجدين الآن
يتصفح الموقع حالياً 22
تفاصيل المتواجدين
معنى حرف الجر (على) في مصطلح (تخريج الفروع على الأصول)
المقال
معنى حرف الجر (على) في مصطلح (تخريج الفروع على الأصول)
91 |
10-08-2024
أ. د. عبدالرحمن بن علي الحطاب
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإنني كنت وما زلتُ أتأمل معنى حرف الجر (على) في مصطلح (تخريج الفروع على الأصول)، وتناقشت في ذلك مع بعض الفضلاء، والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يخرج عن أحد معنيين:
المعنى الأول: يدلُّ حرف (على) على معنى الاستعلاء:
وهو الأصل في هذا الحرف، إلَّا أن الإشكال أن التخريج لا يتعدى بحرف (على) كما في معاجم اللغة، فهو إمَّا أن يكون تساهلًا قد حصل في تعدية التخريج بحرف (على)، أو أن التخريج تضمَّن معنًى آخرَ؛ وهو معنى البناء؛ أي المراد بناء الفروع على الأصول، والأخير أقرب.
يقول الجويني في الورقات: "فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه، وذلك مؤلف من جزأين مفردين، فالأصل: ما يُبنى عليه غيره، والفرع: ما يُبنى على غيره"[1].
وقال ابن بَرهان في الوجيز عند حديثه عن بناء الأصول من الفروع قال: "لم يُنقَل عن الشافعي وأبي حنيفة نصٌّ في ذلك، ولكن فروعهم تدل على ذلك، وهذا خطأ في نقل المذاهب، فإن الفروع ُتبنى على الأصول، ولا تُبنى الأصول على الفروع"[2].
ولعل من هذا تسمية الزنجاني كتابه بـ(تخريج الفروع على الأصول)، وقد ذكر في مقدمة كتابه المذكور إشارة إلى هذا؛ حيث قال: "ثم لا يـخفى عليك أن الفروع إنما تُبنى على الأصول"[3].
أو يحمل التخريج على معنى الترتيب، ومنه قول عبدالعزيز البخاري في (كشف الأسرار)، مؤكدًا لكلام البزدوي في سبق الحنفية في ربط المسائل بأدلتها، وتقرير الأصول بتخريج الفروع عليها، ومعللًا لكلامه؛ فقال: "لأنهم لم يتقدمهم أحد في تخريج المسائل، وتصحيح الأجوبة، ولم يبلغ غايتهم في ترتيب الفروع على الأصول، وبذل المجهود في ذلك"[4].
ومثل البناء والترتيب: تضمين التخريج معنى الحمل، كقولنا في القياس حمل فرع على أصل، وتخريج الفرع على الفرع هو القياس نفسه، أو نوع منه.
والاستعلاء قد يكون حقيقيًّا، وقد يكون معنويًّا؛ كقوله: له عليَّ دَين، فإن الدين ركبه وقهره، واستعلاء الفروع على الأصول من هذا القبيل؛ فإن الفروع تظهر مبنية عليها، فهي أصل وأسٌّ للفرع، ووسيلة خادمة لظهور هذه الفروع.
المعنى الثاني: حمل معنى (على) على معنى (مِنْ):
وهو أحد معانيها؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطففين: 2]؛ أي من الناس، وهذا المعنى أقوى - والعلم عند الله - لكون التخريج هو النفاذ والظهور، وكذا الاستنباط، وهذه الألفاظ يناسبها (مِنْ)، وكون التخريج اصطلاحًا بمعنى الاستنباط كذلك مما لا شك فيه.
يقول ابن الصلاح عند حديثه عن عمل مجتهد المذهب وهو المخرِّج: "... ويتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها، نحو ما يفعله المستقل بنصوص الشارع"[5].
وفي إعانة الطالبين: "... مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الأحكام من قواعد إمامه"[6].
وثمة إشكال: وهو أن استنباط الفروع - في حقيقته - يكون من الأدلة بواسطة الأصول، لا من الأصول مباشرة.
وجوابه: إما أن يُقال: إن الفروع لا تنفذ ولا تظهر ولا تُستنبط من الأدلة إلَّا عن طريق الأصول، فظهور الفروع إذًا مبني على وجود الأصول، فتكون أصلًا من هذه الحيثية، أو نقول: تُستنبط من الأدلة على تقدير إعمال الأصول.
أو تُحمل الأدلة في قولنا: تُستنبط من الأدلة، على الأدلة الإجمالية من حيث الجملة، فهي من هذه الحيثية مثمرة للفروع التي هي الأحكام، وقد جعل الغزاليُّ أصولَ الفقه كالشجرة، وجعل الأدلة هي المثْمِر، والأحكام التي هي الفروع ثمرة، وقصد بالأدلة هنا الأدلة الإجمالية، وإذا عُرف القصد، وكيفية استخراج الأحكام من الأدلة بواسطة الأصول، يمكن التساهل بالعبارة، للقطع بالمراد، والله أعلم.
ويؤكد أن المراد بها الأدلة الإجمالية قول الزنجاني في مقدمة كتابه (تخريج الفروع على الأصول)؛ حيث قال: "... وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط، ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه، لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بـحال"[7].
ويقول العلائي في مقدمة كتابه (المجموع المُذْهِب في قواعد المَذْهَب): "فاستخرت الله تعالى وسألته الهداية إلى الصواب، في جمع هذا الكتاب، المميز للقشر عن اللُّباب، في هذا النوع البديع، والأسلوب الصنيع، ذاكرًا من ذلك ما يسَّر الله تعالى الوصول إليه من المسائل المخرَّجة على قواعد أصول الفقه، أو القواعد الفقهية..."[8].
ومما يؤكد كون حرف (على) في التخريج بمعنى (مِنْ) ما ورد في بعض أسماء كتاب (التمهيد) للإسنوي؛ حيث ورد بعنوان: (تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول)، وهو المذكور في مقدمة كتابه[9]، والله أعلم.
قلت: وعلى ما سبق فإذا أطلق تخريج الفروع على الأصول على معنى البناء، فيدخل في الفروع المنصوص عن الإمام وغير المنصوص، ويدخل في الأصول قواعد وأصول الأئمة وغيرهم، ولا يشترط أن يكون على أصل إمام معيَّن.
وأما إذا حُمِلَ التخريج على معنى الاستنباط، فإنه يكون خاصًّا بالفروع التي لم ينصَّ عليها الإمام، وعلى أصول إمام معيَّن، وهو مراد الفقهاء والأصوليين؛ ولذا الأَولَى أن يُستعمل لفظ البناء بدل التخريج إن أُريد به مطلق رد الفرع إلى أصله أو ربطه به، أو مطلق الاستنباط لا الاستنباط الخاص (التخريج) الذي يُراد به: استنباط مجتهد المذهب أحكام الوقائع التي لم ينص عليها إمامه من أصول إمامه، وذلك تفريقًا وتمييزًا بين المصطلحات، فإن المصطلح حتى يكون حسنًا فلا بد ألَّا يخالف الوضع العام؛ لغة أو عرفًا؛ كما قال ابن دقيق العيد[10]، وألَّا تتضمن مفسدة؛ كما يقول ابن القيم[11]، ومن المفسَدَة استعمال المصطلح في غير ما وضع له، مما يؤدي إلى خلل في الفهم والتنزيل، والله أعلم.
[1] الورقات مع شرحه لابن إمام الكاملية (63).
[2] نقله عنه الزركشي في سلاسل الذهب (90-91).
[3] تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (34).
[4] كشف الأسرار للبخاري (1/ 54-55، 62).
[5] أدب الفتوى والمفتي والمستفتي لابن الصلاح (95)، وانظر: صفة المفتي لابن حمدان (19).
[6] إعانة الطالبين (4/ 243).
[7] تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (34).
[8] المجموع المذهب في قواعد المذهب (1/ 11).
[9] التمهيد (46-47).
[10] نقله عن الزركشي في البحر المحيط (1/ 242)، وفي تشنيف المسامع (1/ 167).
[11] مدارج السالكين (3/ 386).
فإنني كنت وما زلتُ أتأمل معنى حرف الجر (على) في مصطلح (تخريج الفروع على الأصول)، وتناقشت في ذلك مع بعض الفضلاء، والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يخرج عن أحد معنيين:
المعنى الأول: يدلُّ حرف (على) على معنى الاستعلاء:
وهو الأصل في هذا الحرف، إلَّا أن الإشكال أن التخريج لا يتعدى بحرف (على) كما في معاجم اللغة، فهو إمَّا أن يكون تساهلًا قد حصل في تعدية التخريج بحرف (على)، أو أن التخريج تضمَّن معنًى آخرَ؛ وهو معنى البناء؛ أي المراد بناء الفروع على الأصول، والأخير أقرب.
يقول الجويني في الورقات: "فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه، وذلك مؤلف من جزأين مفردين، فالأصل: ما يُبنى عليه غيره، والفرع: ما يُبنى على غيره"[1].
وقال ابن بَرهان في الوجيز عند حديثه عن بناء الأصول من الفروع قال: "لم يُنقَل عن الشافعي وأبي حنيفة نصٌّ في ذلك، ولكن فروعهم تدل على ذلك، وهذا خطأ في نقل المذاهب، فإن الفروع ُتبنى على الأصول، ولا تُبنى الأصول على الفروع"[2].
ولعل من هذا تسمية الزنجاني كتابه بـ(تخريج الفروع على الأصول)، وقد ذكر في مقدمة كتابه المذكور إشارة إلى هذا؛ حيث قال: "ثم لا يـخفى عليك أن الفروع إنما تُبنى على الأصول"[3].
أو يحمل التخريج على معنى الترتيب، ومنه قول عبدالعزيز البخاري في (كشف الأسرار)، مؤكدًا لكلام البزدوي في سبق الحنفية في ربط المسائل بأدلتها، وتقرير الأصول بتخريج الفروع عليها، ومعللًا لكلامه؛ فقال: "لأنهم لم يتقدمهم أحد في تخريج المسائل، وتصحيح الأجوبة، ولم يبلغ غايتهم في ترتيب الفروع على الأصول، وبذل المجهود في ذلك"[4].
ومثل البناء والترتيب: تضمين التخريج معنى الحمل، كقولنا في القياس حمل فرع على أصل، وتخريج الفرع على الفرع هو القياس نفسه، أو نوع منه.
والاستعلاء قد يكون حقيقيًّا، وقد يكون معنويًّا؛ كقوله: له عليَّ دَين، فإن الدين ركبه وقهره، واستعلاء الفروع على الأصول من هذا القبيل؛ فإن الفروع تظهر مبنية عليها، فهي أصل وأسٌّ للفرع، ووسيلة خادمة لظهور هذه الفروع.
المعنى الثاني: حمل معنى (على) على معنى (مِنْ):
وهو أحد معانيها؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطففين: 2]؛ أي من الناس، وهذا المعنى أقوى - والعلم عند الله - لكون التخريج هو النفاذ والظهور، وكذا الاستنباط، وهذه الألفاظ يناسبها (مِنْ)، وكون التخريج اصطلاحًا بمعنى الاستنباط كذلك مما لا شك فيه.
يقول ابن الصلاح عند حديثه عن عمل مجتهد المذهب وهو المخرِّج: "... ويتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها، نحو ما يفعله المستقل بنصوص الشارع"[5].
وفي إعانة الطالبين: "... مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الأحكام من قواعد إمامه"[6].
وثمة إشكال: وهو أن استنباط الفروع - في حقيقته - يكون من الأدلة بواسطة الأصول، لا من الأصول مباشرة.
وجوابه: إما أن يُقال: إن الفروع لا تنفذ ولا تظهر ولا تُستنبط من الأدلة إلَّا عن طريق الأصول، فظهور الفروع إذًا مبني على وجود الأصول، فتكون أصلًا من هذه الحيثية، أو نقول: تُستنبط من الأدلة على تقدير إعمال الأصول.
أو تُحمل الأدلة في قولنا: تُستنبط من الأدلة، على الأدلة الإجمالية من حيث الجملة، فهي من هذه الحيثية مثمرة للفروع التي هي الأحكام، وقد جعل الغزاليُّ أصولَ الفقه كالشجرة، وجعل الأدلة هي المثْمِر، والأحكام التي هي الفروع ثمرة، وقصد بالأدلة هنا الأدلة الإجمالية، وإذا عُرف القصد، وكيفية استخراج الأحكام من الأدلة بواسطة الأصول، يمكن التساهل بالعبارة، للقطع بالمراد، والله أعلم.
ويؤكد أن المراد بها الأدلة الإجمالية قول الزنجاني في مقدمة كتابه (تخريج الفروع على الأصول)؛ حيث قال: "... وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط، ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه، لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بـحال"[7].
ويقول العلائي في مقدمة كتابه (المجموع المُذْهِب في قواعد المَذْهَب): "فاستخرت الله تعالى وسألته الهداية إلى الصواب، في جمع هذا الكتاب، المميز للقشر عن اللُّباب، في هذا النوع البديع، والأسلوب الصنيع، ذاكرًا من ذلك ما يسَّر الله تعالى الوصول إليه من المسائل المخرَّجة على قواعد أصول الفقه، أو القواعد الفقهية..."[8].
ومما يؤكد كون حرف (على) في التخريج بمعنى (مِنْ) ما ورد في بعض أسماء كتاب (التمهيد) للإسنوي؛ حيث ورد بعنوان: (تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول)، وهو المذكور في مقدمة كتابه[9]، والله أعلم.
قلت: وعلى ما سبق فإذا أطلق تخريج الفروع على الأصول على معنى البناء، فيدخل في الفروع المنصوص عن الإمام وغير المنصوص، ويدخل في الأصول قواعد وأصول الأئمة وغيرهم، ولا يشترط أن يكون على أصل إمام معيَّن.
وأما إذا حُمِلَ التخريج على معنى الاستنباط، فإنه يكون خاصًّا بالفروع التي لم ينصَّ عليها الإمام، وعلى أصول إمام معيَّن، وهو مراد الفقهاء والأصوليين؛ ولذا الأَولَى أن يُستعمل لفظ البناء بدل التخريج إن أُريد به مطلق رد الفرع إلى أصله أو ربطه به، أو مطلق الاستنباط لا الاستنباط الخاص (التخريج) الذي يُراد به: استنباط مجتهد المذهب أحكام الوقائع التي لم ينص عليها إمامه من أصول إمامه، وذلك تفريقًا وتمييزًا بين المصطلحات، فإن المصطلح حتى يكون حسنًا فلا بد ألَّا يخالف الوضع العام؛ لغة أو عرفًا؛ كما قال ابن دقيق العيد[10]، وألَّا تتضمن مفسدة؛ كما يقول ابن القيم[11]، ومن المفسَدَة استعمال المصطلح في غير ما وضع له، مما يؤدي إلى خلل في الفهم والتنزيل، والله أعلم.
[1] الورقات مع شرحه لابن إمام الكاملية (63).
[2] نقله عنه الزركشي في سلاسل الذهب (90-91).
[3] تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (34).
[4] كشف الأسرار للبخاري (1/ 54-55، 62).
[5] أدب الفتوى والمفتي والمستفتي لابن الصلاح (95)، وانظر: صفة المفتي لابن حمدان (19).
[6] إعانة الطالبين (4/ 243).
[7] تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (34).
[8] المجموع المذهب في قواعد المذهب (1/ 11).
[9] التمهيد (46-47).
[10] نقله عن الزركشي في البحر المحيط (1/ 242)، وفي تشنيف المسامع (1/ 167).
[11] مدارج السالكين (3/ 386).